0






يعتبر الكثيرون أن إدخال الكمبيوتر اللوحي في التعليم، دليل على التطور والرقي، ويعددون فوائد ذلك مثل التخلص من حمل الكتب الثقيلة، واكتساب الطلاب خبرات متعمقة في كيفية التعامل مع التقنيات الحديثة، والاستفادة من الوسائط المتعددة (ملتي ميديا)، لأن الدروس لم تعد عبارة عن نصوص في كتاب جامد، بل نصوص تتخللها أفلام فيديو للتجارب المعملية، وصور ثابتة ومتحركة، وتسجيلات صوتية، وغير ذلك كثير ما يجعل التعليم شيقًا، أو ما يمكن اعتباره تعليمًا من خلال التسلية واللعب. لكن هناك آراء تتحدث عن مخاطر «نشر الغباء بين الجيل الجديد»، فهل لذلك ما يبرره؟ هدف المدرسة التعليم

تبدو هذه الجملة ساذجة وبديهية، لكن يبدو أنه من الضروري من آن لآخر أن نعيد إلى الأذهان، ما يمكن أن ننساه في خضم الانبهار بابتكارات العصر الحديث، فقد توصل العلماء في جامعتي هارفارد وكولومبيا الأمريكيتين إلى أن الحصول على المعلومات عن طريق ماكينة البحث (جوجل)، أسوأ من الاطلاع عليها في الكتب، وقد نشر العلماء أربعة أبحاث حول ذلك في مجلة (ساينس) المرموقة، توضح تفاصيل تجاربهم العلمية بهذا الشأن.

ولعل غالبيتنا قد قرأ العبارة المتداولة وهي أن كثرة المعرفة طالما تؤدي إلى قلتها وتراجعها، بمعنى القناعة بإمكانية الحصول على المعلومات في كل وقت، من خلال البحث في جوجل وويكبيديا، يجعل الطلاب وغيرهم، يرون أنهم ليسوا بحاجة لمذاكرة هذه المعلومات، والاحتفاظ بها في ذاكرتهم، لأن ذاكرة الكمبيوتر متوفرة في كل حين، وأكثر قدرة على الاستيعاب.

علمًا بأن الدراسات الأمريكية المشار إليها، ليست وحدها من يحذر من عواقب الاعتماد الكبير على الوسائط المتعددة، فكثير من العلماء يرون أن التعلم يحتاج إلى بذل جهد ذهني وعقلي، وأن الضغط على لوحة المفاتيح، ليس مثل كتابة الكلمة في الدفتر، وأن اليد التي لم تتعلم منذ الصغر مهارات الاحتكاك بالأشياء، فتعرف ملمس أوراق الشجر، وتستطيع بناء قلعة من الرمال، وتقدر على إصلاح إطار الدراجة، واستعاضت عن كل ذلك باللمس على شاشة الكمبيوتر اللوحي، فإنها تفتقد الكثير من الخبرات اللازمة للحياة.

ويضيفون أن الاستخدامات المتنوعة لليد وغيرها من الحواس، تخاطب مناطق متعددة في المخ، وترسل الكثير من الإشارات لها، فتكون المعلومات أكثر رسوخًا، وبدلاً من أن تعتمد المعرفة على ما تراه العين في شاشة الجهاز، تعتمد المعرفة على اللمس والسمع والشم والبصر والنطق، وهذه هي المعرفة الكلية، وهذا هو التعليم الحقيقي.



جيل الوسائط المتعددة

قديمًا كانت الأمهات يضعن أطفالهن أمام التلفاز، لكي تتمكنَّ من القيام بأعمال المنزل، واليوم تفرح الأمهات ويفرح الآباء بأن طفلهم البالغ من العمر عامين فقط، يمسك الهاتف الذكي (سمارت فون)، ويقدر على التعامل معه، رغم أن الأمر لا يعدو أن يكون تحريك الإصبع، فتظهر صورة، فهل هذا إنجاز ذهني كبير؟

وإذا قبلنا أن يقوم طفل في الثانية من عمره بهذا الأسلوب في التعلم، فإن الطالب في المدرسة يحتاج إلى أكثر من ذلك، حتى تترسخ المعلومات في مخه، ويصبح أقدر على الاحتفاظ بها، ولذلك فإن الكمبيوتر اللوحي، قد يؤدي إلى تراجع الكثير من القدرات التي يملكها المخ البشري، لأن مختلف الأشياء تتحول جميعًا في هذا الجهاز إلى مجرد حركة بالإبهام على الشاشة.

ومع الاعتراف بأهمية اكتساب الخبرات في كيفية التعامل مع الوسائط المتعددة، ومعرفة أفضل الطرق للاستفادة منها، وكيفية التقليل من المخاطر الناجمة عن كثرة استخدامها، وهي أمور يمكن أن تسهم المدرسة في تعلمها، لكن هناك فرق بين تعلم كيفية التعامل مع هذه الأجهزة، وبين التعلم بهذه الأجهزة.

وفي حين يرى المؤيدون لاستخدام الكمبيوتر اللوحي في العملية التعليمية، أن الطالب يصبح أكثر استقلالية، لأنه ليس بحاجة إلى المعلم طوال الوقت، لأن هناك برامج كثيرة تساعده على التعلم بمفرده، علاوة على أنها تخاطب مختلف المستويات الدراسية، فتقدم الأسئلة التي تناسب كل طالب، كما أنه يستطيع مواصلة التعلم في الطريق من البيت وإليه، فإن الفريق الآخر المحذر من عواقب الأجهزة اللوحية، ينبه إلى أن هناك الكثير من المهارات، التي تتراجع وتضعف في ظل هيمنة هذه الأجهزة.

ويرى البروفيسور مانفريد شبيتسر، وهو مدير مستشفى الأمراض النفسية بجامعة أولم الألمانية، وصاحب الكثير من المؤلفات في هذا المجال، أن الوسائط المتعددة المتوفرة في الكمبيوتر اللوحي، ربما تجعل المادة العلمية أكثر تشويقًا، لكنها بالتأكيد تقلل من التركيز على عملية التعلم، وتصرف انتباه الطالب، أكثر مما تفيد.



تحذير ألماني

وفي مقال للبروفيسور شبيتسر نشره مؤخرًا ورد ما يلي: «قبل أن نقوم بتدمير مخ ملايين الأطفال بأجهزة آي باد، ينبغي علينا أيضًا أن نفكر في المخاطر والأعراض الجانبية لذلك، إن آي باد يعيق نمو الحواس، والجهاز الحركي، والفضول والتفكير والقدرة على الإبداع، لذلك لا ينبغي استخدام آي باد في المدارس».

ربما يبدو هذا الرأي مبالغًا في مخاوفه، لكن المؤكد أن شخصًا في مثل هذا المنصب، لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يستخدم تعبيرات بهذه الحدة، إذا لم يكن لديه من الأدلة العلمية ما يبرهن به على صحة قوله، وإلا تعرض للمساءلة القانونية، ولعل الدراسات الأمريكية المشار إليها أعلاه، تسهم في أن نلقي بالاً لهذه التحذيرات، قبل أن نخوض التجربة، دون أن نعرف عواقبها.

وبغض النظر عما يقوله شبيتسر وعلماء جامعتي هارفارد وكولومبيا، فإن الكثير من الدراسات تؤكد أنه حتى إذا لم تكن هناك أضرار من استخدام الوسائط المتعددة في التعليم، فإنه لم يثبت حتى الآن أنها تؤدي لنتائج أفضل من التعليم بالطرق التقليدية، فلماذا ننفق الملايين على هذه الأجهزة وصيانتها وعلى الدورات التدريبية لآلاف المعلمين والمعلمات؟ أليس من الأفضل أن نركز على المضمون وليس على الشكل، على المحتوى سواء كان في ورق مطبوع، أو ملف في كمبيوتر؟ أليس من الأفضل أن نضع هذه الأموال في توفير الأساسيات وليس في رفاهية غير مضمونة النتائج، في مدارس صالحة، وفي معلمين راضين عن أوضاعهم؟

إرسال تعليق

 
Top