لا أحد ينكر أهمية امتلاك مهارات العمل الجماعي، نظرًا لكونها مفتاحُا أساسيًا للنجاح في أغلب مجالات الحياة والعمل. ومع ذلك فالعمل بروح الفريق هو تحدّ بحدّ ذاته.
ويتطلّب مجهودًا كبيرًا حتى يتحقّق، يشمل: التحكّم في الذات والسيطرة على "الأنا".
مهارات التواصل الفعّال.
القدرة على حلّ المشكلات والاختلافات.
الالتزام والانضباط لتحقيق الهدف المشترك.
باختصار، يجب على كلّ فرد من الفريق أن يحاول تطوير نفسه ليكون أفضل ما يكون، الأمر الذي يؤدّي إلى تطوير الفريق كاملاً ومن ثمّ تطوير المجتمعات. سنتعرّف في مقال اليوم على أهم المراحل التي تشهدها عملية بناء الفريق الكفؤ، بالإضافة إلى أفضل الطرق التي تساعدك على تنمية مهاراتك في العمل الجماعي وتعزيز روح الفريق. مراحل بناء الفريق الكفؤ حتى تصبح أيّ مجموعة من الأشخاص فريقًا ذا أداء عالٍ، لابدّ أن يمرّ أفرادها بخمس مراحل تحوّلية أساسية تعرف بـ"منحنى أداء الفريق" حسبما وضّحها كلّ من جون كاتزينباش ودوغلاس سميث في كتابهما "The Wisdom of Teams"، وهي كالآتي:
1- مرحلة المجموعة العاملة
وهي ليست سوى مجموعة من الأشخاص الذين يقدّمون مساهمات فردية لتحقيق هدف جماعي مشترك، لذا فهي لا تتطلّب الكثير من التكامل أو التنسيق فيما بينها.
2- مرحلة الفريق الزائف
وهي المرحلة التي تبدأ عندما يقرّر أفراد المجموعة العاملة أن يصبحوا فريقًا واحدًا، فيتراجع أدائهم العام بعكس ما كان متوقّعًا. هذا الأمر طبيعي تمامًا نظرًا لأن أعضاء الفريق الجديد لم يعتادوا بعد على العمل الجماعي، ونظرًا لوجود العديد من الاختلافات الشخصية بينهم، فالخلافات وسوء الفهم سيكون نتيجة طبيعية. لذا من المهم لقائد الفريق هنا أن يمتلك مهارات قيادية حقيقية حتى يتمكّن من تجاوز هذه المرحلة الحرجة والانتقال بفريقه إلى المرحلة التالية بنجاح.
3- مرحلة الفريق المحتمل
يصل الفريق إلى هذه المرحلة بعد مدّة من العمل معًا، إذ يبدأ أفراده بالاتفاق على الأهداف الأولية وأساليب العمل وبروتوكولات التواصل. وينشأ بينهم نوع من الألفة والتفاهم التي تعزّز بدورها قدرات جوهرية كالثقة والأمل، وتمضي بهم لتحقيق مستويات أعلى من الأداء ونجاحات أكبر وأعظم.
4- مرحلة الفريق الحقيقي
في هذه المرحلة، يطوّر أفراد الفريق ثقافة خاصّة بهم، ويباشرون العمل كوحدة واحدة. حيث يصبح بإمكانهم الآن تخيّل مستقبل مشترك وتحفيز بعضهم البعض، والتعلّم من بعضهم البعض. ليس هذا وحسب بل إنهم الآن قادرون على حلّ الخلافات بينهم وأداء وظائفهم بشكل يدعم نظام المؤسسة ويقوّيه. الأمر الذي يمكّنهم من اقتناص فرص جديدة لم تكن ظاهرة لهم قبلاً. وهذه دلالة على الفريق الحقيقي.
5- مرحلة الفريق المتميّز
عندما يطوّر أعضاء الفريق ثقافة مبنية على التواضع، العمل الجادّ، التميّز والتعلّم، سيصبح بوسعهم ترجمة نجاحاتهم وفشلهم إلى أدوات للتطوّر المستمرّ. ليس هذا وحسب، سيبدأ كلّ عضو في تطوير مهارات خاصّة تسهم في التقدّم بالفريق أجمع للأمام. وجميع هذه العوامل مجتمعة ستقود الفريق لتحقيق أهداف مميّزة وكبيرة تجعل منه فريقًا مميزًا ذا كفاءة عالية.
أهمية امتلاك مهارات العمل الجماعي
امتلاك مهارات العمل ضمن فريق، هي أحد أهم المهارات التي تُطلب في مختلف الوظائف والفرص المتاحة حولنا، نظرًا لما لها من أهمية في تحقيق النجاح والوصول إلى الأهداف الكبرى، حيث يمكننا تلخيص أهمية امتلاك هذه المهارات وتطويرها فيما يلي: تعزيز الوحدة والولاء في مكان العمل. توفير وجهات نظر مختلفة وتغذية راجعة إيجابية ترتقي بالشركة أو المؤسسة إلى مستويات أعلى من النجاح. رفع الإنتاجية وضمان إنجاز المهام خلال الإطار الزمني المحدّد. توفير فرص مميزة للتعلم من الآخرين واكتساب مهارات جديدة.
كيف أطور مهاراتي في العمل الجماعي؟
في الوقت الذي يوجد فيه أشخاص يحسنون العمل ضمن فريق، هنالك كثيرون يفتقرون لهذه المهارة، سواءً لأنه لم يسبق لهم العمل في مثل هذه البيئة الجماعية، أو لأنهم غير اجتماعيين ويفضّلون العمل بشكل انفرادي. في كلتا الحالتين، لابدّ من إدراك أنّ العمل ضمن فريق سيحقق لك إنجازات لا يمكنك تحقيقها بمفردك مهما حاولت. لذا، حتى وإن كنت شخصًا انطوائيًا، أو لم يسبق لك العمل مع مجموعة، فقد حان الوقت لتكتسب هذه المهارة وتطوّرها. وفيما يلي بعض النصائح العملية التي تضعك على بداية الطريق الصحيح:
1- توقّف عن التذمّر
ركّز دومًا على الجانب المشرق من الأمور، حتى لو كان مكان عملك غارقًا في المشاكل والفوضى، أو كان فريق العمل يمرّ بيوم سيء. الطاقة السلبية معدية، وبمجرّد أن يبدأ أحدهم بالتذمّر، حتى يوافقه الآخرون، ولن يمر الكثير من الوقت قبل أن يتحوّل الفريق كلّه إلى كرة سوداء من الإحباط والتشاؤم. كن إيجابيًا، وقم بتأجيل تذمّرك حتى تنهي مهامّك، على الأرجح لن يكون لديك وقت حينها لتتذمّر، وفي غالب الأحوال سيشعرك إنجاز المهام بالتحسن فتنسى ما كنت ستشكو منه.
2- لا تشغل نفسك بالتفكير فيمن سيحصل المدح
تذكّر دومًا أنّك جزء من فريق، وفي داخل الفريق، ليس هناك منافسة. عندما ينجز أحدهم مهمّة بنجاح، فالفريق كلّه سيتطوّر، وعندما يخفق أحدهم، فالفريق بأكمله سيتأثر. لا تغامر بخسارة فرصة كبيرة أو مشروع مهمّ فقط لأن الفريق لم يتفق بعد على الشخص الذي سيدرج اسمه كمنفّذ للمشروع!
3- طوّر مهاراتك في التواصل
سواءً في الحياة المهنية أو في العلاقات الشخصية، فإن التواصل الصحيح الفعّال هو أساس النجاح كما أنّ ضعفه أو انعدامه هو أول خطوات الانهيار والفشل. لتكون فردًا فاعلاً في فريقك، وشخصًا ذا مهارات عالية في العمل الجماعي، احرص على التواصل مع باقي أعضاء الفريق، لا يهمّ إن اختلفتم أو اتفقتم في الآراء ووجهات النظر، لكنّ الأهم هو أن توصل أفكارك للآخرين وتتقبل ما لديهم هم أيضًا. لمعرفة المزيد حول أساليب التواصل، لا تتردّد في قراءة مقالنا عن أهم مهارات التواصل وكيفية تطويرها.
4- ضع قواعد وقوانين لتنظيم الفريق
ترتبط هذه النصيحة على وجه الخصوص بقادة الفريق، لكن لا ضير من أن ينفذّها أعضاء الفريق الآخرون إن تطلّب الأمر ذلك. ضع قواعد تنظّم لقاءاتك واجتماعاتك مع الفريق، لتضمن تحقيق أقصى درجة من الانسجام والتوافق بينهم، وللخروج بأفضل النتائج من هذه اللقاءات، يمكنك مثلاً، وضع إحدى هذه القواعد: يمنع استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء اجتماعات الفريق. يمنع الاتصال مع أعضاء الفريق لأغراض العمل بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي. ضرورة التواصل ومصارحة أعضاء الفريق بعضهم البعض في حال حدوث أيّ خلافات أو عند الانزعاج من بعضهم البعض لأي سبب كان بدلاً من كتم هذه المشاعر وتفجيرها فيما لأتفه الأسباب.
5- أظهر حماستك للفريق
ربّما خطرت لك فجأة فكرة رائعة لتطوير مشروع كنت تعمل عليه مع أعضاء فريقك منذ بعض الوقت، وتملّكك الحماس الشديد والسعادة العظيمة لهذه الفكرة. لا تترددّ ولا تخجل من مشاركتها مع الفريق، أظهر حماسك بها، حتى وإن بدوتَ أمامهم سخيفًا، فحماسك هذا سينتقل إليهم بعد بعض الوقت، ليوقد شغفهم. هل تعلم ما يمكن لفريق متحمّس أن يفعله؟! بإمكانه في الواقع تحريك الجبال من مكانها وتحقيق أهداف عظيمة لا تخطر على البال!
6- ابتعد عن الغيبة
قاعدة بسيطة وواضحة، ولكن لا أحد يطبقّها، أو على الأقلّ لا يلتزم بها إلاّ قليلون جدًّا. لا تتحدّث بسوء عن أحد من وراء ظهره. ولا تكتب في بريد إلكتروني انتقادًا أو جملة لا تستطيع قولها للشخص المعني وجهًا لوجه. إن كان لابدّ من مواجهة شخص ما وانتقاده، فافعل ذلك معه شخصيًا، تواصل معه وجهًا لوجه، ووضّح له ما يضايقك منه مستخدمًا العبارات المناسبة دون تجريح أو إيذاء. حتى لو لم يكن هذا الشخص متقبّلاً للنقد، ستكون ردّة فعله في جميع الأحوال أحسن بكثير من أن يكتشف صدفة ما قلته عنه وراء ظهره، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار الفريق بأكمله.
7- احتفل بنجاحات الفريق
إن كان رئيسك في العمل لا يهتمّ كثيرا بمكافأة الموظفين أو أعضاء الفريق على جهودهم، فكن أنت المبادر واحتفل بنجاح فريقك. ليس من الضروري أن تكون قائد الفريق حتى تفعل ذلك، فالقيام بهذه اللفتة اللطيفة ينمّي لديك مهارات القيادة الناجحة، ويسعدك زملائك ويحفّزهم لتحقيق أداءٍ أفضل. وأما أن يكون لك الفضل في خلق هذه المشاعر لديهم، فهو أمر يرفع من ثقتك بنفسك ويدفعك أنت أيضًا للمزيد من النجاح والإنجاز. يمكنك مثلاً: ابدأ بتهنئة أعضاء الفريق عند إنجاز مهمّة ما بنجاح أو اضرب كفّك بكفّهم. كافئ زملائك بحبّات من الشوكولاتة كعلامة امتنان لمساعدتهم لك في إنجاز مهمّة صعبة وكبيرة. نظّم نزهة مع زملائك في العمل بعد الدوام للاحتفال بتحقيق هدف معيّن كنتم تعملون عليه. لا تتردّد في مدح أعضاء الفريق لتفانيهم والتزامهم بأعمالهم.
تذكّر دومًا، ما من أحد يحبّ العمل لحساب رئيس أو مع فريق لا يقدّر جهوده ولا يثمّنها. لذا احرص دومًا على إظهار الامتنان والشكر لكلّ من وقف إلى جانبك وساعدك، ولكلّ من أدّى مهامّه على أكمل وجه فساهم في تحقيق نجاح الفريق كاملاً.
إرسال تعليق